عظة عن القيامة - القديس أغسطينوس مقروءة


عن القيامة
            ليس من كاتب مسيحي اهتم بتأكيد أن الموت الجسدي للإنسان جاء ثمرة للخطية التي ارتكبها الإنسان الأول مثل القديس أغسطينوس(1)

1.                   Against Frotunatus, 22.
ولم يقف أثرها عند الموت الجسدي وإنما يمتد إلى موت النفس الذي حل بكل البشرية فاحتاجت إلى نعمة المسيح. لهذا صار الإنسان في احتياج إلى نوعين من القيامة: قيامة النفس وقيامة الجسد.
علاقة النفس بالجسد:
أول إشارة لقيامة الجسد في كتابات القديس أغسطينوس هي في "On the Grandeur of the Soul" وذلك في عام 388م. فيه يتحدث عن سمو النفس وعظمتها حيث تهتم بالتأمل في الحق. وهو يتحدث عن أنشطة النفس تحدث عن حيوية الجسد ووحدته ودوره في التأمل، لكنه يعود فيرى أن الشرط الضروري للتأمل هو التحول عن كل العالم المادي بما فيه الجسد(1).
1.                   On the Grandeur of the Soul, 33:73.
وقد تحدث هذه المرحلة الأخيرة قائلاً:
[سنرى أن هذه البيعة الهيولية تخضع لتغيرات كثيرة (إلى الأفضل) حتى أننا قيامة الجسد كأمرٍ أكيد مثل إشراق الشمس (المباهج التي للتأمل في الحق ستكون هكذا) إن الموت الذي في البداية يخافه الإنسان يصير شهوة في النهاية ويُحسب أفضل هبه، لأن الموت هو هروب بكل وسيلة من هذا الجسد. (فالنفس بعد الموت) تكون أقل انشغالاً عن الارتباط بالحق المطلق بكل القلب (عن حالها وهي مرتبطة بالجسد الذي في صحبة النفس للبلوغ إلى التأمل في هذه الحياة(1).]
1.                   Grandeur 33:76.
تغيرت نظرة القديس أغسطينوس في التسعينات (390م) في العلاقة بين النفس والجسد، لكنه كان متمسكًا بما كتبه في كتابه عن "عظمة النفس" بأن المعرفة الحقيقية ليست في معرفة الحواس أو حتى الناجمة عن الحواس(2)
The Literal Meaning of Genesis Book 7:14:20, On the Trinity 8:6:9.
 في كتابه “On  Music" حوالي عام 390م كتب:
[الأجساد هي صالحة إلى الدرجة التي بها تغتني (بالتناغمات الحسية كمثال)، لكن النفس تصير إلى حالٍ أفضل عندما تنسحب من هذه الأمور التي تتقبلها من الجسد عندما تتحول عن حواس الجسد وتشكل نفسها من جديد بالتناغمات الإلهية التي للحكمة(1).]
1.                   On Music 6:4:7.
بسبب الخطية الأولى صار للجسد القدرة غير الطبيعية على التأثير على النفس فهو إذ يستمع إلى الصوت يحمل القوة لينقل إلى النفس.
[تعجب بالأحرى أن الجسد له القدرة أن يفعل أي شيء للنفس. ربما لم يكن الحال هكذا لو لم يتغير الجسد بعد الخطية الأولى إلى حال أردأ ويخضع للفساد والموت هذا الجسد الذي ع   النفس قبل خطية آدم حيوية وكانت تتحكم فيه بسهولة دون متاعب(1).]
2.                   On Music 6:4:7.
غير أنه في حواره المستمر مع أتباع ماني كرر كثيرًا الحديث عن صلاح الجسد البشري الذي خلقه الله.
[للجسد جماله الخاص، وبهذا الجمال اللائق تتزكى كرامة النفس التي يستحقها(1).]
3.                   On Music 6:4:7.
في وقت متأخر من حياته (405-410م) تحدث القديس أغسطينوس عن الجسد أنه يجب ألا يُستبعد لأن المطوبين في السماء سيكون لهم أجساد، غير فاسدة، أبدية، وأن الأجساد التي في هذه الحياة مصدر آلام ستكون هناك زينة(1).
1.                   Sermon 241:7:6.
قيامة المسيح
v      حقًا إن إيماننا بقيامة ربنا من بين الأموات وصعوده إلى السماوات تسند إيماننا برجاءٍ عظيمٍ. لأن هذه العقيدة تُظهر لنا بقوة كيف أنه بإرادته ذاك الذي له القوة أن يرفع حياته إلى فوق قد نزل بها من أجلنا. يا لعظمة الثقة التي يوحيها رجاء المؤمنين عندما يدركون عظمة الأمور التي احتملها من أجل البشر الذين لم يكونوا بعد مؤمنين عندما كان متوقعًا أن يأتي من السماء كديان الأحياء والأموات كان المهملون في رعب شديد، ولكن إذ كرسوا حياتهم بجهادٍ عظيمٍ امتلأوا شوقًا نحوه، سالكين في حياة مقدسة عوض خوفهم من مجيئه بسبب شر حياتهم[1].
قيامة المسيح في حياتنا
[كما أن صلب الإنسان العتيق رُمز له لصليب الرب، هكذا تجديد الإنسان الجديد عُني به بالقيامة(1).]
1.                   Propositions from the Epistle to the Romans, 32:2.
[التقديس بعد ذلك بلغ الحياة الجديدة، والذي عُني به في قيامة ربنا(1).]
1.                   Commentary on the Epistle to the Romans, 5:2.
[صلب المسيح حتى في صليبه يظهر موت إنساننا العتيق، وقام حتى بحياته يعلن جده الحياة قيامته تجددنا(1).]
1.                   Sermon 231:2:2.
v      إنه رجاء أكيد صار بالفعل حاضرًا واقتنيناه عمليًّا، حياتنا المستقبلة قد تحققت الآن في رأسنا ووسيطنا القائم من الأموات، الإنسان يسوع المسيح[2].
القديس أغسطينوس
الجسد الروحاني
[لا يعني "الجسد الروحاني" أنه ليس جسدًا بعد وإنما كما أن "الجسد الحي" يعني "الحياة" "الجسد الروحاني" يعني "جسدًا مطيعًا للروح"(1).]
1.                   Sermon 242:8:11.
يقدم لنا مفهوم الجسد الروحاني أنه لا يعود يشغلنا عن التأمل في الله، ولا يكون عائقًا للنفس بل خاضعُا لها.
[نفس الجسد الذي يعذبنا حتى نبقى في الخطية سيكون خاضعًا لنا في القيامة، ويكف عن أن يتعبنا بالعوائق التي يضعها لنا في طريقنا ونحن نحفظ شريعة الله والوصايا الإلهية(1).]
To Fortunatus 22.
ما هو معنى: "إن لحمًا ودمًا لا يرثان ملكوت الله؟
[لا يملك جسدك شيئًا، لكن نفسك تملك خلال الجسد ما يخص الجسد. لذلك إن كان الجسد يقدم لا يملك بل يكون مملوكًا، لا ليأخذ بل ليؤخذ، بأي عجب إذن إن كان لحمًا ودمًا لا يقدران أن يملكا (يرثا) الملكوت، حيث أنهما بالتأكيد هما مملوكان لآخر قدر ما نقدم، فإننا لسنا نحن عمله. إن كنا نحمله، فنحن نملكه، إن كنا نحن نملكه فهو لا يملكنا إذ نتحرر من دينونة الشيطان ونحن في ملكوت الله. لهذا المعنى لا يرث هذا الجسد وهذا الدم ملكوت الله(1).]
1.                   Sermon 362:13:14.
[جسم بدون فساد لا يليق أن يقال عنه أنه جسد ودم، إنما هو مجرد جسم. فإنه إن كان جسدًا يكون فاسدًا ومائتًا، فإن كان لا يعود يموت، لا يكون قابلاً للفساد، ولذلك مهد بدون فساد، وإن كان الشكل باقٍ(1).]
Sermon 362:15:17.
يقصد القديس أغسطينوس بقوله أنه يأخذ شكل الجسم دون جسد الفساد (فإنه كما قالت القديسة ماكرينا) لا يمارس أعمال الجسد من أكل وشرب وولادة فإن هذه ليس لها موضع في السماء، سيكون البشر كملائكة الله(1).
Sermon 362:15:18
v     (الجسم السماوي) سيدعى جسمًا ويمكن دعوته جسمً سمائيًا. نفس الشيء قيل بواسطة الرسول عندما ميّز بين الأجسام. "كل جسد ليس هو نفس الجسد، بل للبشر جسد، وآخر للحيوانات، وآخر للطيور، وآخر للسمك. توجد أجسام سمائية وأجسام أرضية" (1كو39:15-40). كل جسد هو جسم لكن ليس كل جسم هو جسد[3].
1.                    

رؤية الله

            يرفض القديس أغسطينوس القول بأن الجسد القائم من الأموات هيولي وأن الله يُرى بالأعين بطريقة مادية(1)
Letter 147:49.
اقتبس كلمات القديس أمبروسيوس في تفسيره لإنجيل لوقا:
[حتى في القيامة نفسها ليس من السهل أن يُرى الله إلا للأنقياء القلب(2).]
Letter 147:18.
أيضًا تقتبس منه
[الله لا يرى في أي موقع محلي، إلا في القلب النقي، أي أنه لا يطلب بالعيون الجسدية، ولا يُحد بنظرنا(1).]
Letter 147:20.
إنه يقاوم القائلين [إنه في الحياة المقبلة سنرى الله ببصيرة جسدية، حتى الأشرار سيرونه(1).]
Letter 92:4.
إذ يؤكد القديس أغسطينوس أن الجسد القائم من الأموات هو بعينه الجسد القائم من الأموات هو بعينه الجسد الذي مات لكنه لا يقوم بأعمال الجسد جاء في وقت متأخر يقول خاصة في رسالتين الأولى إلى Forturatianus  عام 413 بأن الجسد يتحول بطريقة ما إلى نوع يشبه العقل نفسه فيستطيع أن يرى الله، بهذا يجعل من الجسد أشبه بروح (1).
Letter 147:51.
وفي رسالة ثانية إلى Paulina يكتب:
[بخصوص الجسد الروحي الذي سيكون لنا في القيامة سواء يميل إلى بساطة النفس حتى يصير الإنسان كله روحًا، أو كما أظن بالأكثر وإن كان ليس لي أرض صلبه للتأكيد، أنه يصير جسدًا روحيًّا حتى يدعى "روحانيًّا"، وذلك بسبب السمات التي ستصير له والتي لا يمكن وصفها، بينما يحتفظ بالمادة الهيولية التي يمكنها أن تكون لها حياة وإحساس فقط خلال النفس التي تستخدمها عن هذه الأمور اعترف أنني لم أقرأ بعد شيئًا عنها حتى أظن أن لدي من الكفاية ما أتعلمه أو أعلمه(1).]
Letter 148:5.
بعد حوالي عام عاد القديس إلى نفس الموضوع في كتابه On the Literal Interpretation of Genesis. حيث يجيب عن التساؤل لماذا يقوم الجسد ما دام العقل بانطلاقه من الجسد يعاين الله؟
أجاب أن الأمر ليس سهلاً، لكنه يجيب هكذا:
[بلا شك أن عقل الإنسان عندما يحمل خارج حواس الجسد إلى الرؤيا، إو عندما يفارق الجسد بالموت، يكون غير قادرٍ على رؤية الجوهر غير المتغير لله كما يراه الملائكة القديسون بالرغم من عبوره من شبه الأشياء الهيولية. ربما هذا لسبب سري أو ببساطة بسبب الحقيقة أن للعقل نوع من الشهوة الطبيعية لتدبير الجسد بسبب هذه الشهوة يوجد شيء عائق لقوته أن للارتفاع إلى أعالي السموات، مشتاقًا أن يلازمه الجسد، إذ هو يدير الجسد حت تشبع هذه الشهوة علاوة على هذا إن كان الجسم هو هكذا أن تجبيره يمثل صعوبة وثقلاً في حالة الجسد الفاسد الذي هو ثقل على النفس (كمن هي قاجدمة من جنس ساقط)، فإن العقل يكون بالأكثر مستعدًا أن يتحول من رؤية أعالي السموات.


أحدث أقدم