لكي
نقيم دراسة ليتورجية إفخارستية تكون ذات أثر في العبادة وذات توجيه روحي تَقَوِي،
لابد أن نرجع إلى الأصول الأُولى للتقليد الليتورجي كما عرفته ومارسته الكنيسة
الأُولى.
ونحن
لا نريد أن نفرِّق بين الممارسة العملية للخدمة الإلهية وبين الدراسة اللاهوتية
الصادقة بحسب وضعها الآبائي، لأن الآباء الذين كتبوا في علم اللاهوت الإفخارستي([1]) كانوا
يمارسونه بتقوى وورع شديدين بل بشغف وتأمل وعبادة صادقة. لذلك يستحيل أن نحرم
الدراسة الليتورجية من الغنى والزخم الروحي المتكاثف في التقليد الإفخارستي الآبائي.
والملاحَظ
أن الملء الروحي للكنيسة المنبعث من الممارسة الليتورجية لم يفرغ قط من جيل إلى
جيل، ولم يتناقص قط بمرور الزمن أو حركة التاريخ من مد وجزر، مع أن الليتورجيا
أصابها كثير من الغموض وعدم الفهم، بسبب اختلاف اللغة أو عدم فهم الترجمة الصحيحة
للمعاني القديمة أو خروج مضمون الصلوات القديمة عن المألوف العام بسبب تغيُّر
البيئة والمعرفة والعادات.
كذلك
وبالرغم أيضاً من دخول الليتورجيا([2])، بعد المجامع([3]) المتعددة، في قيود القوانين وعدم التغيير التي
جمَّدت كثيراً من الانطلاق التأملي الحر في الصلاة الذي كانت تنعم به الكنيسة
الأُولى، حينما كان الأسقف يضع صلواته في الإفخارستيا بنفسه ويزيد عليها بقدر
النعمة المعطاة له([4])، وبالرغم من
قلة الإقبال على الدراسة التاريخية أو الشرح اللاهوتي لليتورجيا؛ نقول بالرغم من
ذلك كله، فالملء الروحي للكنيسة بسبب الإفخارستيا وليتورجيتها لا يزال يفيض بسخاء
فيضاً سريًّا سماوياً على المؤمنين بسبب الممارسة العملية وتذوُّق الشعب للأسرار
بروح الإيمان.
([4])
النصوص الإفخارستية التي من القرون الأُولى أعطت للأسقف “أن يزيد ويطيل في
الإفخارستيا كما يعطيه الله”، فهو شبه أمر. ولكن بعد عصر المجامع المسكونية خشيت
الكنيسة من بعض الذين يضيفون على الليتورجيات عن عدم كفاءة وقدرة، فمنعت التغيير.
لتحميل الكتاب اضغط هــــــــــــــــنا