دُعي المسيح ابن الله لأنه واحد مع الآب في الألوهية، وهذا الاسم تم إعلانه لنا في العهد الجديد مباشرة من الآب بواسطة الملاك الذي بشر بتجسد المسيح،
وأيضاً بصوت الآب نفسه من السماء حين كان المسيح يعتمد في نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان (إنجيل لوقا 3: 22). تجسّد المسيح بشراً من أجل الرسالة التي حملها لنا محققاً وعد الله بخلاص الإنسان (إنجيل يوحنّا 3: 16)، وجوهر رسالة المسيح هي نقل الإنسان من الظلمة إلى النور، أي من ظلمة الخطية إلى نور الحياة الأبدية.
عندما نقول إن المسيح هو ابن الله، يتجه فكر بعض الناس مباشرة إلى اعتبار أن الابن يولد من زوجين، وعلى هذا الأساس فإن ابن الله قد ولد من زوجين: الله ومريم، هذا المفهوم البشري لبنوة المسيح خاطئ، فالأمر يختلف اختلافاً جوهرياً بالنسبة لبنوة المسيح، لذا يجب أن يتجه فكرنا إلى نوع آخر من الولادة، فالابن أي ابن الله مولود حقاً ولكن ليس نتيجة زواج الله من امرأة، بل هو تجسد الله الكلمة نفسه في أحشاء العذراء مريم بقدرة فائقة فاتخذ منها صورة بشر مثلنا لكن من دون خطيئة، والمولود دعي ابن الله.
نأتي إلى توضيح أعمق بالنسبة لمعنى الولادة، أي ولادة الابن، فعندما نقول "ابن الله" نفهم مباشرة أنه يوجد ولادة كما ذكرنا أعلاه، وقد تحدثنا عن الجانب البشري الخاطئ عن هذه الولادة، لكن هذا ليس كاف لإيفاء بنوة المسيح حقها ومعناها الصحيح، لذا من المهم أن نعرف أن الولادة الإلهية ليست بنت ساعتها، ومن أجل ذلك يجب أن نطرح سؤالاً هاماً وهو: كيف نفهم عبارة "المسيح ابن الله" وما هي طبيعة هذه الولادة من جهة الألوهية؟.
إن عبارة ابن الله بالمفهوم الإلهي هي:
* ولادة أزلية: أي أنها خارج الزمن، بمعنى لا وقت زمني يحددها في أصلها، فهذه الولادة الإلهية تخالف الولادة البشرية التي نفهمها نحن البشر، وهذا يعني أنه لا يوجد أسبقية في الزمن بين الآب والابن، وهذا يساعدنا على فهم قول المسيح لليهود في إنجيل يوحنّا 8: 58، وكذلك على فهم ما قاله المسيح أيضا بأنه البداية (رؤيا يوحنّا 1: 8.
* ولادة أبدية: فكما أنها ولادة أزلية أي لا بداية لها فهي أيضاً ولادة أبدية أي لا نهاية لها، بمعنى أن الآب في الابن لاهوتياً دون انفصال أو تجزئة من الأزل وإلى الأبد. وهنا أيضاً نفهم قول المسيح عن نفسه أنه البداية والنهاية الأول والآخر (رؤيا يوحنّا 1: 17. وهذا القول جاء عن الله في العهد القديم.
* ولادة مستمرة: يعني لم يكن ولن يكون وقت لم يكن فيه المسيح هو ابن الله، فهو ابن الله منذ الأزل وقد تجلت هذه البنوة بتجسده وهي باقية للأبد، أي أن المسيح واحد مع الآب والروح القدس في الألوهية دون انقطاع أو انفصال. قدّم اللاهوتي القدّيس يوحنّا الدّمشقي توضيحاً حول هذا الموضوع فقال: "كما أنه مع جود النار يكون النور الصادر منها ولا تكون النار أولاً وبعد ذلك النور، بل يكونان معاً، وكما أن النور مولود من النار ولا يفارقها البتة، كذلك يولد الابن من الآب دون أن يفارقه البتة بل يكون فيه دائماً، وبهذا المعنى يقال إن الابن مولوداً وليس مخلوقاً".
* ولادة روحية لا جسدية ولا مكانية: إن ولادة الابن من الآب لا تخضع لا للمكان ولا للزمان، لأن الله روح لا جسد في كينونته، أي أن الابن موجود مع الآب في ذاته منذ الأزل. هذا يساعدنا على فهم قول المسيح في إنجيل يوحنّا 17: 5.
* إعلان البنوة جسدياً: في الوقت المعين من الله، تجسد الله الكلمة بشراً من أجل تحقيق خطته في خلاص الإنسان. وبتجسده، عرّف عن نفسه كونه ابن الله وفي الوقت عينه أنه ابن الإنسان، جامعاً في شخصه المبارك طبيعتيه الإلهية والبشرية المتميزتين غير المنفصلتين، يعني أن المسيح عاش بشريته بشكل كامل دون أن يفقد ألوهيته.
- أخي القارئ، على رجاء أن تكون عبارة "ابن الله" قد صارت واضحة أمامك، نسأله تعالى أن يمنحك نعمة الخلاص الأبدي الذي تجسد ابن الله من أجل تحقيقه لك أنت أيضاً.
منقول